فصل: فَصْلٌ: (في النُّشُوزِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [خُرُوجُ الزَّوْجَةِ بِإذْنِ الزَّوْجِ]:

(وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (مَنْعُ كُلٍّ مِنْهُنَّ) أَيْ: مِنْ زَوْجَاتِهِ (مِنْ خُرُوجٍ) مِنْ مَنْزِلِهِ إلَى مَا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ (وَلَوْ لِزِيَارَةِ) وَالِدَيْهَا أَوْ عِيَادَتِهِمَا أَوْ حُضُورِ جِنَازَتِهِمَا أَوْ شُهُودِ جِنَازَةِ أَحَدِهِمَا (قَالَ أَحْمَدُ فِي امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ وَأُمٌّ مَرِيضَةٌ طَاعَةُ زَوْجِهَا عَلَيْهَا) أَوْجَبُ مِنْ أُمِّهَا إلَّا أَنْ يَأْذَنَ. (وَيَحْرُمُ خُرُوجُهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ: (بِلَا إذْنِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (أَوْ) بِلَا ضَرُورَةٍ كَإِتْيَانٍ بِنَحْوِ مَأْكَلٍ؛ لِعَدَمِ مَنْ يَأْتِيهَا بِهِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ بَطَّةَ فِي أَحْكَامِ النِّسَاءِ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَجُلًا سَافَرَ، وَمَنَعَ زَوْجَتَهُ الْخُرُوجَ، فَمَرِضَ أَبُوهَا، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُضُورِ جِنَازَتِهِ، فَقَالَ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ؛ وَلَا تُخَالِفِي زَوْجَكِ، فَأَوْحَى اللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهَا بِطَاعَةِ زَوْجِهَا». وَلِأَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاجِبَةٌ، وَالْعِيَادَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ؛ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْوَاجِبِ لِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَكُمْ يُزَاحِمْنَ الْعُلُوجَ فِي الْأَسْوَاقِ أَمَا تَغَارُونَ، فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَغَارُ وَحَيْثُ خَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ بِلَا ضَرُورَةٍ (فَلَا نَفَقَةَ) لَهَا مَا دَامَتْ خَارِجَةً عَنْ مَنْزِلِهِ. (هَذَا) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ تَحْرِيمِ الْخُرُوجِ بِلَا إذْنِهِ وَسُقُوطِ نَفَقَتِهَا بِهِ (إذَا قَامَ) الزَّوْجُ (بِحَوَائِجِهَا) الَّتِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهَا (وَإِلَّا) يَقُمْ بِحَوَائِجِهَا (فَتَخْرُجُ لِإِتْيَانِهَا بِمَأْكَلٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا لَا غِنَاءَ لَهَا عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ؛ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِهِ (وَسُنَّ إذْنُهُ لَهَا) فِي الْخُرُوجِ (إذَا مَرِضَ مَحْرَمُهَا) لِتَعُودَهُ (أَوْ مَاتَ) مَحْرَمُهَا لِتَشْهَدَهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَعَدَمُ إذْنِهِ يَحْمِلُهَا عَلَى مُخَالَفَتِهِ (لَا غَيْرُهُ) أَيْ: الْمَحْرَمِ (مِنْ أَقَارِبِهَا) كَأَوْلَادِ عَمِّهَا وَعَمَّتِهَا وَأَوْلَادِ خَالِهَا وَخَالَتِهَا، (وَلَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ (لِزِيَارَةِ أَبَوَيْهَا) مَعَ عَدَمِ الْمَرَضِ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلِئَلَّا تَعْتَادَهُ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (مَنْعُهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (مِنْ كَلَامِهِمَا) أَيْ: أَبَوَيْهَا (وَلَا مَنْعُهُمَا مِنْ زِيَارَتِهَا) لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ (إلَّا مَعَ ظَنِّ) حُصُولِ (ضَرَرٍ يُعْرَفُ بِقَرَائِنِ الْحَالِ) بِسَبَبِ زِيَارَتِهِمَا، فَلَهُ مَنْعُهُمَا إذَنْ مِنْ زِيَارَتِهَا؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ (وَلَا يَلْزَمُهَا طَاعَتُهُمَا) أَيْ: أَبَوَيْهَا (فِي نَحْوِ فِرَاقِ) الزَّوْجِ أَوْ مُخَاصَمَتِهِ، وَلَا فِي زِيَارَةٍ (بَلْ طَاعَةُ زَوْجِهَا أَحَقُّ) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهَا. (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (إنْ خَافَ خُرُوجَهَا) بِلَا إذْنِهِ (لِحَبْسٍ) أَيْ لِكَوْنِهِ مَحْبُوسًا ظُلْمًا أَوْ بِحَقٍّ (وَنَحْوِهِ) كَسَفَرٍ (إسْكَانُهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا) الْخُرُوجُ تَحْصِينًا لِفِرَاشِهِ (فَإِنْ لَمْ تُحْفَظْ) أَيْ: يُمْكِنُ حِفْظُهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَحْفَظُهَا غَيْرَهُ (حُبِسَتْ مَعَهُ) لِيَحْفَظَهَا (حَيْثُ لَا مَحْذُورَ) لِأَنَّهُ طَرِيقُ حِفْظِهَا، وَإِلَّا بِأَنْ خِيفَ مَحْذُورٌ بِحَبْسِهَا مَعَهُ لِوُجُودِ الْأَجَانِبِ بِالْحَبْسِ أَوْ خِيفَ حُدُوثُ شَرٍّ بِسَبَبِ حَبْسِهَا مَعَهُ؛ (فـَ) تَسْكُنُ (فِي رِبَاطٍ وَنَحْوِهِ) دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ (وَمَتَى كَانَ خُرُوجُهَا مَظِنَّةَ الْفَاحِشَةِ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ رِعَايَتُهُ،) (وَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (لِرَضَاعٍ وَخِدْمَةٍ) وَصَنْعَةٍ (بَعْدَ نِكَاحٍ إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ الزَّوْجِ سَوَاءٌ أَجَرَتْ نَفْسَهَا أَوْ أَجَرَهَا وَلِيُّهَا؛ لِتَفْوِيتِ حَقِّ الزَّوْجِ مَعَ سَبْقِهِ كَإِجَارَةِ الْمُؤَجَّرِ، فَإِنْ أَذِنَ زَوْجٌ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَلَزِمَتْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (أَوَّلُهُ) أَيْ: إذَا أَجَرَتْ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا لِلزَّوْجِ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ مَعَهَا إذْنٌ فِيهِ (أَوْ) أَجَرَتْ نَفْسَهَا (لِعَمَلٍ فِي ذِمَّتِهَا)؛ صَحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهَا قَابِلَةٌ لِذَلِكَ (فَإِنْ عَمِلَتْهُ) أَيْ: الْعَمَلَ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ بِنَفْسِهَا أَوْ عَمِلَهُ (نَائِبُهَا اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ)؛ لِأَنَّهَا وَفَّتْ بِالْعَمَلِ. (وَتَصِحُّ) إجَارَتُهَا نَفْسَهَا (قَبْلَ عَقْدِ) نِكَاحٍ وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَرَهَا وَلِيُّهَا لِصِغَرِهَا قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ؛ فَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ فِيهِمَا (وَتَلْزَمُ، فَلَا يَمْلِكُ) الزَّوْجُ (فَسْخَهَا) أَيْ: الْإِجَارَةِ (وَلَا مَنْعَهَا مِنْ رَضَاعٍ وَنَحْوِهِ) حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُلِكَتْ بِعَقْدٍ سَابِقٍ عَلَى نِكَاحِ الزَّوْجِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُسْتَأْجَرَةً أَوْ دَارًا مَشْغُولَةً بِمَا يَطُولُ نَقْلُهُ مِنْهَا (وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (الْوَطْءُ) لِزَوْجَتِهِ الْمُؤَجَّرَةِ لِنَحْوِ خِدْمَةٍ أَوْ رَضَاعٍ (وَلَوْ أَضَرَّ اللَّبَنُ أَوْ أَضَرَّ الْمُرْتَضَعَ) لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ مُسْتَحَقٌّ بَعْدَ التَّزْوِيجِ، فَلَا يَسْقُطُ بِأَمْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ الْوَلِيُّ، وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ، فَسْخَ النِّكَاحِ مَعَ جَهْلِهِ بِكَوْنِهَا مُؤَجَّرَةً. (وَيَسْتَمْتِعُ) الزَّوْجُ (بِهَا إذَا نَامَ رَضِيعٌ) اُسْتُؤْجِرَ لِرَضَاعِهِ (أَوْ) إذَا (اشْتَغَلَ) رَضِيعٌ عَنْهَا لِزَوَالِ الْمُعَارَضَةِ لِحَقِّهِ؛ (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (مَنْعُهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ) وَمِنْ رَضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ اشْتِغَالَهَا بِذَلِكَ يُفَوِّتُ كَمَالَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَ(لَا) يَمْنَعُهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا (مِنْهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا، فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهَا، وَمَحِلُّ مَنْعِهِ لَهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ رَضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا إذَا لَمْ يُضْطَرَّ الرَّضِيعُ إلَيْهَا، وَيُخْشَى عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ مُرْضِعَةٌ سِوَاهَا، أَوْ لَا يَقْبَلُ ثَدْيَ غَيْرِهَا، أَوْ تَكُونُ قَدْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ نَصًّا (وَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ) مُوَضَّحًا. فَصْلٌ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَأَكْثَرَ وَهُوَ تَوْزِيعُ الزَّمَانِ عَلَى زَوْجَاتِهِ (وَ) يَجِبُ (عَلَى غَيْرِ طِفْلٍ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ فِي قِسْمٍ فَقَطْ؛ أَيْ: فَلَا تَجِبُ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهُنَّ فِي وَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ أَوْ نَفَقَةٍ) وَشَهَوَاتٍ وَكِسْوَةٍ إذَا قَامَ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ وَدَوَاعِيَهُ طَرِيقَةُ الشَّهْوَةِ وَالْمَيْلِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْوَطْءِ وَدَاعِيهِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَغَيْرِهَا وَفَعَلَهُ كَانَ أَحْسَنَ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ. وَرُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ زَوْجَاتِهِ فِي الْقُبْلَةِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ». وَلِأَنَّهُ إذَا قَسَمَ لِوَاحِدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَيْلٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. وَلَيْسَ مَعَ الْمَيْلِ مَعْرُوفٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ}. لِأَنَّ الْعَدْلَ أَنْ لَا يَقَعَ مَيْلٌ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ وَلَوْ حَرَصْتُمْ عَلَى تَحَرِّي ذَلِكَ وَبَالَغْتُمْ فِيهِ؛ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ ذَاتَ بَعْلٍ وَلَا مُطَلَّقَةً. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ». (وَعِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ) لِأَنَّهُ يَأْوِي فِيهِ الْإِنْسَانُ إلَى مَنْزِلِهِ، وَيَسْكُنُ إلَى أَهْلِهِ، وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ عَادَةً، وَالنَّهَارُ لِلْمَعَاشِ وَالِاشْتِغَالِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} (وَالنَّهَارُ يَتْبَعُهُ) أَيْ: اللَّيْلَ، فَيَدْخُلُ فِي الْقَسْمِ تَبَعًا؛ لِمَا رُوِيَ: أَنَّ «سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي». وَإِنَّمَا قُبِضَ نَهَارًا، وَيَتْبَعُ الْيَوْمُ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ، إلَّا أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى عَكْسِهِ (وَعَكْسُهُ مِنْ مَعِيشَتِهِ بِلَيْلٍ كَحَارِسٍ) فَعِمَادُ قَسْمِهِ النَّهَارُ، وَيَتْبَعُهُ اللَّيْلُ. (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (نَهَارُ قَسْمٍ أَنْ يَخْرُجَ لِمَعَاشِهِ وَقَضَاءِ حُقُوقٍ وَمَا جَرَتْ عَادَةٌ بِهِ، وَلِصَلَاةِ عِشَاءٍ وَفَجْرٍ) وَلَوْ قَبْلَ طُلُوعِهِ كَصَلَاةِ النَّهَارِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ: لَكِنْ لَا يُعْتَادُ الْخُرُوجُ قَبْلَ الْأَوْقَاتِ إذَا كَانَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ دُونَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ بَيْنَهُمَا، أَمَّا لَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَوْ لِعَارِضٍ؛ فَلَا بَأْسَ. (وَيَكُونُ الْقَسْمُ لَيْلَةً وَلَيْلَةً) لِأَنَّ فِي قَسْمِهِ لَيْلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ تَأْخِيرًا لِحَقِّ مَنْ لَهَا اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ لِلَّتِي قَبْلَهَا (إلَّا أَنْ يَرْضَيْنَ بِالْقَسْمِ أَكْثَرَ) مِنْ لَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُنَّ، وَإِنْ كَانَتْ نِسَاؤُهُ بِمَحَالَّ مُتَبَاعِدَةٍ قَسَمَ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُهُ مَعَ التَّسَاوِي بَيْنَهُنَّ إلَّا بِرِضَاهُنَّ (وَلِزَوْجَةٍ أَمَةٍ مَعَ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ، وَلَوْ) كَانَتْ الْحُرَّةُ (كِتَابِيَّةً لَيْلَةٌ مِنْ ثَلَاثِ) لَيَالٍ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَلِيٍّ (وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ)، وَلِأَنَّ الْحُرَّةَ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، فَحَقُّهَا أَكْثَرُ فِي الْإِيوَاءِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَتُقَدَّرُ بِالْحَاجَةِ، وَحَاجَةُ الْأَمَةِ فِي ذَلِكَ كَحَاجَةِ الْحُرَّةِ، بِخِلَافِ قَسْمِ الِابْتِدَاءِ؛ فَإِنَّهُ لِزَوَالِ الِاحْتِشَامِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِحُرِّيَّةٍ وَرِقٍّ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْقَسْمَ لِلْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ سَوَاءٌ (وَ) يَقْسِمُ (لِمُبَعَّضَةٍ بِالْحِسَابِ) فَلِلْمُبَعَّضَةِ ثَلَاثُ لَيَالٍ، وَلِلْحُرَّةِ أَرْبَعُ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُ لِجُزْئِهَا الرَّقِيقِ لَيْلَةً؛ فَيَكُونُ لِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ ضِعْفُ ذَلِكَ، وَنَجْعَلُ لِجُزْئِهَا الْحُرِّ لَيْلَتَيْنِ؛ فَيَكُونُ لِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ مِثْلُ ذَلِكَ. (وَإِنْ عَتَقَتْ أَمَةٌ فِي نَوْبَتِهَا) فَلَهَا قَسْمُ حُرَّةٍ (أَوْ) عَتَقَتْ فِي (نَوْبَةٍ سَابِقَةٍ) عَلَى نَوْبَةِ أَمَةٍ (فَلَهَا) أَيْ: الْعَتِيقَةِ (قَسْمُ حُرَّةٍ) لِأَنَّ النَّوْبَةَ أَدْرَكَتْهَا، وَهِيَ حُرَّةٌ، فَاسْتَحَقَّتْ قَسْمَ حُرَّةٍ، (وَإِنْ عَتَقَتْ) الْأَمَةُ (فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ) عَنْ الْأَمَةِ؛ بِأَنْ بَدَأَ بِالْأَمَةِ فَوَفَّاهَا لَيْلَتَهَا، ثُمَّ انْتَقَلَ لِلْحُرَّةِ، فَعَتَقَتْ الْأَمَةُ (أَتَمَّ لِلْحُرَّةِ نَوْبَتَهَا عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ) لِضَرَّتِهَا (وَلَا تُزَادُ الْأَمَةُ شَيْئًا) وَيَكُونُ لِلْحُرَّةِ ضِعْفُ مُدَّةِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِيفَاءِ الْأَمَةِ فِي حَالِ الرِّقِّ؛ وَجَبَ لِلْحُرَّةِ ضِعْفُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا عَتَقَتْ قَبْلَ مَجِيءِ نَوْبَتِهَا، أَوْ قَبْلَ تَمَامِهَا. وَالْحُرِّيَّةُ الطَّارِئَةُ لَا تُنْقِصُ الْحُرَّةَ مِمَّا وَجَبَ لَهَا، وَإِذَا أَتَمَّ لِلْحُرَّةِ نَوْبَتَهَا ابْتَدَأَ الْقَسْمَ مُتَسَاوِيًا.
تَنْبِيهٌ:
الْحَقُّ فِي الْقَسْمِ لِلْأَمَةِ دُونَ سَيِّدِهَا، فَلَهَا أَنْ تَهَبَ لَيْلَتَهَا لِزَوْجِهَا أَوْ لِبَعْضِ ضَرَائِرِهَا بِإِذْنِ زَوْجِهَا كَالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهَا الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ؛ وَلَا أَنْ يَهَبَ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ دُونَهَا؛ لِأَنَّ الْإِيوَاءَ وَالسَّكَنَ حَقٌّ لَهَا دُونَ سَيِّدِهَا. (وَيَطُوفُ بِمَجْنُونٍ مَأْمُونٍ وَلِيُّهُ) عَلَى زَوْجَتِهِ فَأَكْثَرَ لِلتَّعْدِيلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا فَلَا قَسْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ أُنْسٌ لَهُنَّ، وَلَا قَسْمَ لِمَجْنُونَةٍ يُخَافُ مِنْهَا. (وَيَحْرُمُ تَخْصِيصُ) بَعْضِ زَوْجَاتِهِ (بِإِفَاقَةٍ) لِأَنَّهُ جَوْرٌ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ (فَلَوْ أَفَاقَ) الْمَجْنُونُ (فِي نَوْبَةِ وَاحِدَةٍ) مِنْ زَوْجَاتِهِ (قَضَى يَوْمَ جُنُونِهِ لِلْأُخْرَى) تَعْدِيلًا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَعْدِلْ فِي الْقَسْمِ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ قَضَى لِلْمَظْلُومَةِ مَا فَاتَهَا اسْتِدْرَاكًا لِلظُّلَامَةِ. (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (أَنْ يَأْتِيَهُنَّ) أَيْ زَوْجَاتِهِ كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي مَسْكَنِهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقْسِمُ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُنَّ، وَأَصْوَنُ (وَ) لَهُ (أَنْ يَدْعُوَهُنَّ لِمَحِلِّهِ) بِأَنْ يَتَّخِذَ لِنَفْسِهِ مَنْزِلًا يَدْعُو إلَيْهِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي لَيْلَتِهَا وَيَوْمِهَا وَتَجِبُ إجَابَتُهُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ نَقْلَهَا حَيْثُ شَاءَ بِلَائِقٍ بِهَا، فَإِنْ امْتَنَعَتْ الْمَدْعُوَّةُ عَنْ إجَابَتِهِ، سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ؛ لِنُشُوزِهَا، وَ(لَا) تَجِبُ عَلَيْهِنَّ إجَابَتُهُ إنْ دَعَاهُنَّ (لِمَحِلِّ إحْدَاهُنَّ) لِمَا بَيْنَهُنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ، وَالِاجْتِمَاعُ يَزِيدُهَا (وَ) لَهُ (أَنْ يَأْتِيَ مِنْهُنَّ بَعْضًا) مِنْ زَوْجَاتِهِ إلَى مَسْكَنِهَا (وَ) أَنْ (يَدْعُوَ مِنْهُنَّ بَعْضًا) مِنْهُنَّ إلَى مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ السَّكَنَ لَهُ حَيْثُ لَاقَ الْمَسْكَنُ، وَإِنْ حُبِسَ زَوْجٌ، فَاسْتَدْعَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي الْحَبْسِ فِي لَيْلَتِهَا، فَلَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِنَّ طَاعَتُهُ (وَلَا يَلْزَمُ مَنْ دُعِيَتْ) إلَى الْحَبْسِ إتْيَانٌ إلَيْهِ (مَا لَمْ يَكُنْ) الْحَبْسُ (سَكَنَ مِثْلِهَا) لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ دَعَاهَا فِي غَيْرِ الْحَبْسِ إلَى مَا لَيْسَ مَسْكَنًا لِمِثْلِهَا فِي الْإِتْيَانِ فَإِنْ أَطَعْنَهُ فِي الْإِتْيَانِ إلَى الْحَبْسِ سَوَاءٌ كَانَ مَسْكَنَ مِثْلِهِنَّ أَوْ لَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ لِأَنَّهُ جَوْرٌ، وَلَا اسْتِدْعَاءَ بَعْضِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّسْوِيَةِ بِلَا عُذْرٍ كَمَا فِي غَيْرِ الْحَبْسِ. (وَمَنْ امْرَأَتَاهُ بِبَلَدَيْنِ) أَوْ نِسَاؤُهُ بِبِلَادٍ (فَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ لِلْغَائِبَةِ) عَنْ الْبَلَدِ (فِي نَوْبَتِهَا) لِأَنَّهُ الْعَدْلُ (أَوْ يُقْدِمُهَا) إلَيْهِ لِيُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ (فَإِنْ امْتَنَعَتْ) الْغَائِبَةُ (مَعَ إمْكَانِ قُدُومٍ، سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ قَسْمٍ وَنَفَقَةٍ) لِنُشُوزِهَا، وَإِنْ قَسَمَ فِي بَلَدَيْهِمَا جَعَلَ الْمُدَّةَ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُ كَشَهْرٍ وَشَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ عَلَى حَسَبِ تَقَارُبِ الْبَلَدَيْنِ وَبُعْدِهِمَا؛ لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». (وَكَذَا مَنْ جَاءَهَا الْقَسْمُ فَأَغْلَقَتْ الْبَابَ دُونَهُ، أَوْ مَنَعَتْهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، أَوْ قَالَتْ: لَا تَدْخُلْ عَلَيَّ أَوْ لَا تَبِتْ عِنْدِي، أَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ، أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ سَفَرٍ مَعَهُ أَوْ مَبِيتٍ) سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ قَسْمٍ وَنَفَقَةٍ لِنُشُوزِهَا. (وَيَقْسِمُ) زَوْجٌ (مَرِيضٌ وَمَحْبُوبٌ وَعِنِّينٌ وَخَصِيٌّ كَصَحِيحٍ) لِأَنَّ الْقَسْمَ لِلْأُنْسِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ مِمَّنْ لَا يَطَأُ، وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ جَعَلَ يَدُورُ فِي نِسَائِهِ، وَيَقُولُ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟» رَوَاه الْبُخَارِيُّ (فَإِنْ شَقَّ عَلَى الْمَرِيضِ) الْقَسْمُ (أَقَامَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ بِإِذْنِ الْبَوَاقِي) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَى نِسَائِهِ فَاجْتَمَعْنَ؛ فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدُورَ بَيْنَكُنَّ، فَإِنْ رَأَيْتُنَّ أَنْ تَأْذَنَّ لِي فَأَكُونَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَعَلْتُ، فَأَذِنَّ لَهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد؛ أَوْ أَقَامَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ (بِقُرْعَةٍ) إذَا لَمْ يَأْذَنَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ (أَوْ يَعْتَزِلُهُنَّ جَمِيعًا) إنْ أَحَبَّ ذَلِكَ تَعْدِيلًا بَيْنَهُنَّ. (وَيَقْسِمُ) الزَّوْجُ وُجُوبًا (لِ) زَوْجَةٍ (حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَمَرِيضَةٍ وَمَعِيبَةٍ) بِجُذَامٍ وَنَحْوِهِ (وَرَتْقَاءَ وَكِتَابِيَّةٍ وَمُحْرِمَةٍ وَزَمِنَةٍ وَمُمَيَّزَةٍ وَمَجْنُونَةٍ مَأْمُونَةٍ وَمَنْ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ) زَمَنَ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْقَسْمِ الْأُنْسُ، لَا الْوَطْءُ (أَوْ سَافَرَ بِهَا بِقُرْعَةٍ) فَيَقْسِمُ لَهَا (إذَا قَدِمَ)؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَهُ؛ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْمُسْتَقْبَلِ، (وَلَا قَسْمَ) لِمُطَلَّقَةٍ (رَجْعِيَّةٍ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيُّ فِي الْحَضَانَةِ. وَمَا ثَمَّ صَرِيحٌ يُخَالِفُهُ، وَلِأَنَّهَا تَرْجِعُ حَضَانَتُهَا عَلَى وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِ مُطَلِّقِهَا وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَلَيْسَ لَهُ بُدَاءَةٌ بِقَسْمٍ وَسَفَرٍ بِإِحْدَاهُنَّ) طَالَ السَّفَرُ أَوْ قَصُرَ (بِلَا قُرْعَةٍ) لِأَنَّهُ تَفْضِيلٌ لَهَا، وَالتَّسْوِيَةُ وَاجِبَةٌ «وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ خَرَجَ بِهَا مَعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِذَا سَافَرَ بِهَا بِقُرْعَةٍ إلَى مَحِلٍّ، ثُمَّ بَدَا لَهُ غَيْرُهُ وَلَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ، فَلَهُ أَنْ يَصْحَبَهَا مَعَهُ (إلَّا بِرِضَاهُنَّ وَرِضَاهُ) فَإِذَا رَضِيَ الزَّوْجَاتُ وَالزَّوْجُ بِالْبُدَاءَةِ بِإِحْدَاهُنَّ أَوْ السَّفَرِ بِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ (وَيَقْضِي) زَوْجٌ لِبَقِيَّةِ زَوْجَاتِهِ (مَعَ) خُرُوجِ (قُرْعَةٍ) فِي السَّفَرِ بِإِحْدَاهُنَّ (أَوْ) مَعَ (رِضَاهُنَّ) بِالسَّفَرِ بِمُعَيَّنَةٍ مِنْهُنَّ (مَا تَعَقَّبَهُ سَفَرٌ) أَيْ: مَا أَقَامَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ (أَوْ تَخَلَّلَهُ) أَيْ تَخَلَّلَ السَّفَرَ (مِنْ إقَامَةٍ) أَيْ: مُدَّةِ إقَامَتِهِ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ؛ لِتَسَاكُنِهِمَا إذَنْ، لَا زَمَنِ مَسِيرِهِ وَحِلِّهِ وَتَرْحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَسْكَنًا؛ فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ، كَمَا لَوْ كَانَا مُنْفَرِدَيْنِ (وَ) يَقْضِي مَنْ سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ زَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ (بِدُونِهِمَا) أَيْ: الْقُرْعَةِ وَرِضَاهُنَّ (جَمِيعَ غَيْبَتِهِ) حَتَّى زَمَنِ سَيْرِهِ وَحِلِّهِ وَتَرْحَالِهِ، سَوَاءٌ طَالَ السَّفَرُ أَوْ قَصُرَ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ بَعْضَهُنَّ عَلَى وَجْهٍ يَلْحَقُهُ فِيهِ تُهْمَةٌ؛ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ إنْ سَافَرَ بِاثْنَتَيْنِ بِقُرْعَةٍ أَوَى: كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَحْلِهَا كَخَيْمَتِهَا وَنَحْوَهَا، فَإِنْ كَانَتَا فِي رِحْلَةٍ؛ فَلَا قَسْمَ إلَّا فِي الْفِرَاشِ. (وَمَنْ قَرَعَتْ) مِنْ الزَّوْجَاتِ (لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ: زَوْجَهَا (سَفَرٌ بِهَا) وَلَهُ تَرْكُهَا (وَيُسَافِرُ وَحْدَهُ) لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا تُوجِبُ، وَإِنَّمَا تُعَيِّنُ مَنْ اسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ (بِغَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ؛ لِأَنَّهُ جَوْرٌ، وَإِنْ وَهَبَتْ الْقَارِعَةُ حَقَّهَا مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ لِإِحْدَى ضَرَّاتِهَا، جَازَ لَهَا الْقُرْعَةُ ذَلِكَ إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا، وَإِنْ وَهَبَتْهُ لِلزَّوْجِ أَوْ لِجَمِيعِ ضَرَائِرِهَا، وَامْتَنَعَتْ مِنْ السَّفَرِ؛ سَقَطَ حَقُّهَا؛ لِإِعْرَاضِهَا عَنْهُ بِاخْتِيَارِهَا إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ بِمَا صَنَعَتْهُ مِنْ الْهِبَةِ أَوْ الِامْتِنَاعِ وَاسْتَأْنَفَ الْقُرْعَةَ بَيْنَ الْبَوَاقِي مِنْ ضَرَّاتِهَا إنْ لَمْ يَرْضَيْنَ مَعَهُ بِوَاحِدَةٍ، (وَإِنْ) أَبَى ذَلِكَ فَلَهُ إكْرَاهُهَا عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ؛ أَوْ (إنْ أَبَتْ هِيَ السَّفَرَ) مَعَهُ (أَجْبَرَهَا) عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ، فَأُجْبِرَتْ عَلَيْهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ. (وَلَوْ سَافَرَ) بِإِحْدَاهُنَّ بِقُرْعَةٍ (لِلْقُدْسِ مَثَلًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ) السَّفَرُ إلَى (مِصْرَ) مَثَلًا (فَلَهُ اسْتِصْحَابُهَا) مَعَهُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إتْمَامٌ لِسَفَرِهِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ ثَمَّ مَنْ لَهَا حَقٌّ مَعَهَا، أَشْبَهَتْ الْمُنْفَرِدَةَ. (وَمَتَى بَدَأَ) فِي الْقَسْمِ (بِوَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ بِقُرْعَةٍ أَوْ لَا) أَيْ: أَوْ بِدُونِ قُرْعَةٍ (لَزِمَهُ الْمَبِيتُ) لَيْلَةً (آتِيَةً عِنْدَ) زَوْجَةٍ (ثَانِيَةٍ بِلَا قُرْعَةٍ) لِيَحْصُلَ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمَا فِي الْأُولَى وَيَتَدَارَكَ الظُّلْمَ فِي الثَّانِيَةِ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ (حَيْثُ لَا ثَالِثَةَ) فَإِنْ كَانَ ثُمَّ زَوْجَةٌ ثَالِثَةٌ، وَكَانَ قَدْ بَدَأَ بِإِحْدَاهُنَّ بِقُرْعَةٍ أَوْ لَا، أَقْرَعَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الْبَاقِيَتَيْنِ؛ لِيَحْصُلَ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمَا إنْ لَمْ يَتَرَاضَوْا، فَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا، وَبَدَأَ بِإِحْدَاهُنَّ: ثُمَّ بِأُخْرَى مِنْهُنَّ؛ أَقْرَعَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ بَيْنَ الْبَاقِيَتَيْنِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَيَصِيرُ فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ إلَى الزَّوْجَةِ الرَّابِعَةِ بِلَا قُرْعَةٍ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهَا. (وَحَرُمَ) عَلَى الزَّوْجِ (دُخُولُهُ لِغَيْرِ ذَاتِ لَيْلَةٍ فِيهَا) أَيْ: اللَّيْلَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَأَنْ تَكُونَ مَنْزُولًا بِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يُحَضِّرَهَا، أَوْ تُوصِيَ إلَيْهِ.
(وَ) يَحْرُمُ أَنْ يَدْخُلَ إلَيْهَا (فِي نَهَارِهَا) أَيْ: نَهَارِ لَيْلَةِ غَيْرِهَا (إلَّا لِحَاجَةٍ كَعِيَادَةٍ) أَوْ سُؤَالٍ عَنْ أَمْرٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، أَوْ دَفْعِ نَفَقَةٍ، أَوْ زِيَارَةٍ لِبُعْدِ عَهْدِهِ بِهَا (فَإِنْ) دَخَلَ إلَيْهَا، وَ(لَمْ يَلْبَثْ) مَعَ ضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ عَدَمِهَا (لَمْ يَقْضِ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَضَاءِ الزَّمَنِ الْيَسِيرِ (وَإِنْ لَبِثَ أَوْ جَامَعَ لَزِمَهُ قَضَاءُ لُبْثٍ وَجِمَاعٍ) فَيَدْخُلُ عَلَى الْمَظْلُومَةِ فِي لَيْلَةِ الْأُخْرَى، فَيَمْكُثُ عِنْدَهَا بِقَدْرِ مَا مَكَثَ عِنْدَ تِلْكَ، أَوْ يُجَامِعُهَا لِيَعْدِلَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مَعَ الْجِمَاعِ يَحْصُلُ بِهِ السَّكَنُ؛ أَشْبَهَ الزَّمَنَ الْكَثِيرَ، وَ(لَا) يَلْزَمُهُ قَضَاءُ (قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ حَقِّ الْأُخْرَى) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَيَّ فِي يَوْمِ غَيْرِي، فَيَنَالُ مِنِّي كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْجِمَاعَ». (وَلَهُ قَضَاءُ أَوَّلِ لَيْلٍ عَنْ آخِرِهِ) اكْتِفَاءً بِالْمُمَاثَلَةِ فِي الْقَدْرِ (وَ) لَهُ قَضَاءُ (لَيْلِ صَيْفٍ عَنْ) لَيْلِ (شِتَاءٍ) لِأَنَّهُ قَضَاءُ لَيْلَةٍ عَنْ لَيْلَةٍ (وَعَكْسُهُمَا) أَيْ: لَهُ قَضَاءُ آخِرٍ عَنْ أَوَّلِهِ، وَلَهُ قَضَاءُ لَيْلِ شِتَاءٍ عَنْ لَيْلِ صَيْفٍ. (وَمَنْ انْتَقَلَ) مِنْ بَلَدٍ (لِبَلَدٍ) وَلَهُ زَوْجَاتٌ، وَأَمْكَنَهُ اسْتِصْحَابُ الْكُلِّ مَعَهُ (لَمْ يَجُزْ) لَهُ (أَنْ يَصْحَبَ إحْدَاهُنَّ وَ) أَنْ يَصْحَبَ (الْبَوَاقِيَ وَغَيْرَهُ) وَلَوْ مُحْرِمًا لِأَنَّهُ مَيْلٌ (إلَّا بِقُرْعَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَصْحَبُ إحْدَاهُنَّ، فَإِنْ فَعَلَهُ بِقُرْعَةٍ، فَأَقَامَتْ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ؛ قَضَى لِلْبَاقِيَاتِ مُدَّةَ إقَامَتِهِ مَعَهَا خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا، وَبِدُونِ قُرْعَةٍ؛ قَضَى لِلْبَاقِيَاتِ كُلَّ الْمُدَّةِ كَالْحَاضِرِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ اسْتِصْحَابُ الْكُلِّ؛ جَازَ لَهُ بَعْثُهُنَّ مَعَ مَحْرَمِهِنَّ، وَلَا يَقْضِي لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ؛ لِتَسَاوِيهِنَّ فِي انْفِرَادِهِ عَنْهُنَّ، وَمَنْ امْتَنَعَتْ مِنْ زَوْجَاتِهِ مِنْ سَفَرٍ مَعَهُ بِلَا عُذْرٍ، أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ مَبِيتٍ عِنْدَهُ، أَوْ (سَافَرَتْ) بِغَيْرِ إذْنِهِ لِحَاجَتِهَا أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ سَافَرَتْ (لِحَاجَتِهَا، وَلَوْ بِإِذْنِهِ؛ فَلَا قَسْمَ وَلَا نَفَقَةَ) لَهَا، أَمَّا الْمُمْتَنِعَةُ مِنْ السَّفَرِ أَوْ الْمَبِيتِ مَعَهُ؛ فَلِأَنَّهَا عَاصِيَةٌ لَهُ؛ فَهِيَ كَالنَّاشِزِ، وَكَذَا مَنْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَأَمَّا مَنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا؛ فَلِأَنَّ الْقَسْمَ لِلْأُنْسِ، وَالنَّفَقَةُ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا؛ فَسَقَطَ كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا سَافَرَتْ مَعَهُ؛ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ قَسْمٍ وَنَفَقَةٍ إنْ سَافَرَتْ (لِحَاجَتِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (بِبَعْثِهِ لَهَا) أَوْ انْتِقَالِهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ تَعَذُّرِ الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ جِهَتِهِ، فَيَقْضِي لَهَا مَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُخْرَى (وَلَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (وَلَوْ أَمَةً هِبَةُ نَوْبَتِهَا) مِنْ الْقَسْمِ (بِلَا مَالٍ لِزَوْجٍ يَجْعَلُهُ لِمَنْ شَاءَ) مِنْ ضَرَّاتِهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَاهِبَةِ وَالزَّوْجِ (وَ) لِلزَّوْجَةِ هِبَةُ نَوْبَتِهَا بِلَا مَالٍ (لِضَرَّةٍ) مُعَيَّنَةٍ بِإِذْنِهِ أَيْ: الزَّوْجِ (وَلَوْ أَبَتْ) ذَلِكَ (مَوْهُوبٌ لَهَا) لِثُبُوتِ حَقِّ الزَّوْجِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا كُلَّ وَقْتٍ، وَإِنَّمَا مَنَعَتْهُ الْمُزَاحَمَةُ فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا، فَإِذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ بِهِبَتِهَا ثَبَتَ حَقُّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَإِنْ كَرِهَتْ، كَمَا لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً، وَإِنْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ الْمَوْهُوبَةُ لِإِحْدَى الضَّرَائِرِ تَلِي اللَّيْلَةَ الْمَوْهُوبَ لَهَا وَالَى الزَّوْجُ بَيْنَ اللَّيْلَتَيْنِ؛ فَيَبِيتُهُمَا عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَلِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الْمَوْهُوبَ لَهَا (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (نَقْلُهُ) أَيْ: زَمَنِ قَسْمِ الْوَاهِبَةِ (لِيَلِيَ لَيْلَتَهَا) أَيْ: الْمَوْهُوبِ لَهَا إلَّا بِرِضَا الْبَاقِيَاتِ فَإِنْ رَضِينَ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُنَّ، وَإِلَّا جَعَلَهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهَا فِي وَقْتِ الْوَاهِبَةِ؛ لِقِيَامِ الْمَوْهُوبِ لَهَا مَقَامَ الْوَاهِبَةِ فِي لَيْلَتِهَا، فَلَمْ تُغَيَّرْ عَنْ مَوْضِعِهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً لِلْوَاهِبَةِ (وَ) إنْ وَهَبَتْ نَوْبَتَهَا مِنْ الْقَسْمِ (بِمَالٍ؛ فَلَا) تَصِحُّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا كَوْنُ الزَّوْجِ عِنْدَهَا، وَهُوَ لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ (وَحَقُّهَا) أَيْ: الْوَاهِبَةِ فِي نَوْبَتِهَا (بَاقٍ) فَإِنْ أَخَذَتْ عَلَى ذَلِكَ مَالًا؛ لَزِمَهَا رَدُّهُ، وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَقْضِيَ لَهَا زَمَنَ هِبَتِهَا؛ لِأَنَّهَا تَرَكَتْهُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهَا، فَتَرْجِعُ بِالْمُعَوَّضِ، وَإِنْ كَانَ عِوَضُهَا غَيْرَ الْمَالِ كَهِبَتِهَا (لِإِرْضَاءِ زَوْجِهَا عَنْهَا أَوْ غَيْرِهِ؛ جَازَ)- لِأَنَّ عَائِشَةَ «أَرْضَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفِيَّةَ، فَأَخَذَتْ يَوْمَهَا، وَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَلَمْ يُنْكِرْهُ» مَا يَجُوزُ لَهَا. (كَأَنْ تَهَبَ لِزَوْجِهَا أَوْ إحْدَى ضَرَّاتِهَا)، قَضَى (مَا يُجَوِّزُهَا بَدَلَ قَسْمٍ) وَجَبَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ (وَنَفَقَةً) وَغَيْرَهُمَا لِزَوْجِهَا لِأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فِي قَوْله تَعَالَى: «{وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا} هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لَا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا، وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِي، وَلَا تُطَلِّقْنِي، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيَّ وَالْقَسْمُ لِي؛ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهِيَ لَا تَقُولُ فِي التَّفْسِيرِ لِلْقُرْآنِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ.
(وَ) مَتَى رَجَعَتْ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّهُ (يَعُودُ حَقُّهَا بِرُجُوعِهَا) فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ، بِخِلَافِ مَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ (فَمَنْ رَجَعَتْ) فِي هِبَتِهَا لَيْلَتَهَا (وَلَوْ فِي بَعْضِ لَيْلَةٍ) عَادَ حَقُّهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَ(قَسَمَ) لَهَا وُجُوبًا، فَيَرْجِعُ إلَيْهَا (وَلَا يَقْضِي بَعْضًا) مِنْ لَيْلَةٍ (لَمْ يَعْلَمْ هُوَ بِهِ) أَيْ: بِرُجُوعِهَا فِيهِ (إلَى فَرَاغِهَا) أَيْ: اللَّيْلَةِ لِتَفْرِيطِهَا.

.فَصْلٌ: [تَسْوِيَةُ الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ]:

(تُسَنُّ تَسْوِيَةُ) زَوْجٍ (فِي وَطْءٍ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ؛ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ فِي الْحِرْمَانِ، كَمَا إذَا بَاتَ عِنْدَ أَمَتِهِ أَوْ بَاتَ فِي دُكَّانِهِ، أَوْ عِنْدَ صَدِيقِهِ، أَوْ مُنْفَرِدًا (وَ) يُسَنُّ لِسَيِّدٍ تَسْوِيَةٌ (فِي قَسْمٍ بَيْنَ إمَائِهِ) لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِقُلُوبِهِنَّ (وَ) لَهُ أَنْ (يَسْتَمْتِعَ بِهِنَّ) وَإِنْ نَقَصَ بِهِ زَمَنُ زَوْجَاتِهِ بِحَيْثُ لَا يُنْقِصُ الْحُرَّةَ عَنْ لَيْلَةٍ مِنْ أَرْبَعٍ، وَالْأَمَةَ عَنْ لَيْلَةٍ مِنْ سَبْعٍ، وَلَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِنَّ (كَيْفَ شَاءَ) كَالزَّوْجَاتِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (مِنْ تَفْضِيلِ) بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ (أَوْ مُسَاوَاةٍ) بَيْنَهُنَّ (نَدْبًا) لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِنُفُوسِهِنَّ (أَوْ يَسْتَمْتِعَ بِبَعْضِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}. وَقَدْ «كَان لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَارِيَةُ وَرَيْحَانَةُ فَلَمْ يَكُنْ يَقْسِمُ لَهُمَا»، وَلِأَنَّ الْأَمَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ، وَلِذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ لِكَوْنِ السَّيِّدِ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا، وَلَا يُضْرَبُ لَهُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ (وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْضُلَهُنَّ إنْ) طَلَبْنَ النِّكَاحَ، وَ(لَمْ يُرِدْ اسْتِمْتَاعًا بِهِنَّ، فَيُزَوِّجُهُنَّ أَوْ يَبِيعُهُنَّ) دَفْعًا لِضَرَرِهِنَّ، وَلِأَنَّ إعْفَافَهُنَّ وَصَوْنَهُنَّ عَنْ احْتِمَالِ الْمَحْظُورِ وَاجِبٌ.

.فَصْلٌ: [في مدة الإقامة عند البكر أو الثيب]:

(وَمَنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا) وَمَعَهُ غَيْرُهَا (أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَلَوْ) كَانَتْ (أَمَةً) وَضَرَائِرُهَا حَرَائِرُ (ثُمَّ دَارَ) الْقَسْمُ (وَلَمْ يَقْضِ) أَيْ: يَحْتَسِبْ عَلَيْهَا بِمَا أَقَامَ عِنْدَهَا فَإِذَا انْتَهَتْ مُدَّةُ إقَامَتِهِ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ عَادَ إلَى الْقَسْمِ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَتَدْخُلُ الْجَدِيدَةُ (بَيْنَهُنَّ فَتَصِيرُ آخِرَهُنَّ نَوْبَةً وَ) إنْ تَزَوَّجَ (ثَيِّبًا) وَمَعَهُ غَيْرُهَا أَقَامَ عِنْدَهَا (ثَلَاثًا) وَلَوْ أَمَةً، ثُمَّ دَارَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ. قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ إنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ.، وَخُصَّتْ الْبِكْرُ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ حَيَاءَهَا أَكْثَرُ، فَتَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ أُنْسٍ لِتَنْبَسِطَ وَتَزُولَ الْحِشْمَةُ بَيْنَهُمَا، فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهَا بِزِيَادَةِ الْإِقَامَةِ مَعَهَا لِتَزُولَ نُفْرَتُهَا، وَتَأْلَفَ مُخَالَطَةَ الرِّجَالِ، وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ مُدَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَالسَّبْعَةُ لِأَنَّهَا أَيَّامُ الدُّنْيَا، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا يَتَكَرَّرُ (وَإِنْ شَاءَتْ) الثَّيِّبُ (لَا) إنْ شَاءَ (هُوَ) أَيْ الزَّوْجُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا (سَبْعًا فَعَلَ) أَيْ: أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا (وَقَضَى الْكُلَّ) لِضَرَائِرِهَا يَعْنِي سَبْعًا سَبْعًا لِأَنَّ الْخِيَرَةَ لَهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ؛ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِكِ هَوَانٌ عَلَى أَهْلِكَ؛ فَإِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ؛ لِنِسَائِي» رَوَاه أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا، وَلَفْظُ الدَّارَقُطْنِيّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا حِينَ دَخَلَ بِهَا: لَيْسَ بِكَ هَوَانٌ عَلَى أَهْلِكِ إنْ شِئْتِ أَقَمْتُ عِنْدَكِ ثَلَاثًا خَالِصَةً لَكِ، وَإِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكَ وَلِنِسَائِي قَالَتْ: تُقِيمُ مَعِي ثَلَاثًا خَالِصَةً».
(وَ) قِيلَ: إنَّ الْخِيَرَةَ فِي الْإِقَامَةِ عِنْدَ الثَّيِّبِ زِيَادَةٌ عَنْ حَقِّهَا لِلزَّوْجِ، فَعَلَيْهِ لَوْ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا قَضَى (مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ إنْ شَاءَ هُوَ) أَيْ: بِأَنْ تَمَحَّضَتْ إقَامَةُ الزَّوَائِدِ مِنْهُ دُونَهَا لِاخْتِيَارِهِ ذَلِكَ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ (وَإِنْ شَاءَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (مَعًا فَاحْتِمَالَانِ) أَحَدُهُمَا يَقْضِي لِلْبَوَاقِي سَبْعًا سَبْعًا، وَالثَّانِي يَقْضِي لِلْبَوَاقِي الْفَاضِلَ عَنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ (وَإِنْ زُفَّتْ إلَيْهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (امْرَأَتَانِ) بِكْرَانِ أَوْ ثَيِّبَانِ أَوْ بِكْرٌ وَثَيِّبٌ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ (كُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي إيفَاءِ حَقِّ الْعَقْدِ، وَتَضَرُّرِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَوَحْشَتِهَا، وَكَذَا لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ ثَانِيَةٌ قَبْلَ إيفَائِهِ حَقَّ الَّتِي قَبْلَهَا (وَبَدَأَ بِالدَّاخِلَةِ) عَلَيْهِ (أَوَّلًا) مِنْهُمَا، لِتَقَدُّمِ حَقِّهَا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ فِي مُدَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ وَرَجَحَ عَلَيْهِ، فَإِذَا زَالَ الْمُعَارِضُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمُقْتَضَى، ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِالْقَسْمِ لِيَأْتِيَ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الدَّوْرِ (وَ) إنْ أُدْخِلَتَا عَلَيْهِ مَعًا فَإِنَّهُ (يَقْرَعُ) بَيْنَهُمَا (لِلتَّسَاوِي) فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْقُرْعَةُ مُرَجِّحَةٌ عِنْدَ التَّسَاوِي، فَيَبْدَأُ بِمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ، فَيُوفِيهَا حَقَّ عَقْدِهَا، ثُمَّ يُوفِي الْأُخْرَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَدُورُ (وَإِنْ سَافَرَ) أَيْ: أَرَادَ بِهِ السَّفَرَ (مَنْ أَقْرَعَ) بَيْنَ مَنْ دَخَلَتَا عَلَيْهِ مَعًا؛ صَحِبَ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ مِنْهُمَا وَ(دَخَلَ حَقُّ عَقْدٍ فِي قَسْمِ سَفَرٍ) إنْ وَفَّى بِهِ؛ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ (فَيَقْضِيهِ لِلْأُخْرَى بَعْدَ قُدُومِهِ) مِنْ سَفَرٍ، كَمَا لَوْ لَمْ يُسَافِرْ بِالْأُخْرَى مَعَهُ (فَإِنْ قَدِمَ) مِنْ سَفَرِهِ (قَبْلَ تَمَامِ حَقِّ عَقْدِهَا) أَيْ: الْأُولَى (تَمَّمَهُ فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ قَضَى لِلْحَاضِرَةِ حَقَّهَا) لِمَا تَقَدَّمَ.
تَتِمَّةٌ:
فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِغَيْرِ الْجَدِيدَتَيْنِ وَسَافَرَ بِهَا، فَإِذَا قَدِمَ قَضَى لِلْجَدِيدَتَيْنِ حَقَّهُمَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ، يُقَدِّمُ السَّابِقَةَ دُخُولًا إنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى، أَوْ بِقُرْعَةٍ إنْ دَخَلَتَا مَعًا؛ لِمَا سَبَقَ؛ وَإِنْ سَافَرَ بِجَدِيدَةٍ وَقَدِيمَةٍ بِقُرْعَةٍ أَوْ رَضِيَ تَمَّمَ لِلْجَدِيدَةِ حَقَّ الْعَقْدِ، ثُمَّ قَسَمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُخْرَى عَلَى السَّوَاءِ (وَإِنْ زُوِّجَ ثِنْتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَاحِدَةً وَقْتَ قَسْمِهَا) أَيْ نَوْبَتِهَا (أَثِمَ) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إبْطَالِ حَقِّهَا مِنْ التَّسْلِيمِ، وَلَعَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِسُؤَالِهَا (وَيَقْضِيهِ وُجُوبًا مَتَى نَكَحَهَا) لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ كَالْمُعْسِرِ يُوسَرُ بِالدَّيْنِ (وَمَنْ قَسَمَ لِثِنْتَيْنِ مِنْ ثَلَاثِ) زَوْجَاتٍ (ثُمَّ تَجَدَّدَ) عَلَيْهِ (حَقُّ رَابِعَةٍ) قَبْلَ قَسْمِهِ لِلثَّالِثَةِ (بِرُجُوعِهَا) أَيْ الرَّابِعَةِ (فِي هِبَةِ) حَقِّهَا مِنْ الْقَسْمِ (أَوْ) بِرُجُوعِهَا (عَنْ نُشُوزٍ) أَوْ بِنِكَاحٍ وَفَّاهَا حَقَّ عَقْدِهِ فَرُبْعُ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ لِلرَّابِعَةِ وَبَاقِيهِ لِلثَّالِثَةِ، أَوْ قَسَمَ لِثِنْتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ ثُمَّ تَجَدَّدَ حَقُّ رَابِعَةٍ بِنِكَاحٍ مُتَجَدِّدٍ، وَفَّاهَا أَيْ: الرَّابِعَةَ حَقَّ عَقْدِهَا، وَهُوَ سَبْعٌ إنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَثَلَاثٌ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا (ثُمَّ) يَقْسِمُ فَ (رُبْعُ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ لِلرَّابِعَةِ) لِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ مِنْ أَرْبَعٍ (وَبَقِيَّتُهُ) أَيْ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ (لِلثَّالِثَةِ) لِأَنَّ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ اسْتَوْفَتَا مُدَّتَهُمَا، مِثَالُهُ فِيمَا يُخْرِجُهُ الْحِسَابُ بِلَا كَسْرٍ لَوْ قَسَمَ لِلْأُولَيَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا (فَيَقْسِمُ لِلثَّالِثَةِ مِثْلَهُمَا، وَلِلرَّابِعَةِ لَيْلَةً) فَقَدْ أَخَذَتْ الرَّابِعَةُ رُبْعَ مُدَّةِ الزَّمَنِ الْآتِي عَلَيْهَا (فَإِذَا كَمُلَ الْحَقُّ ابْتَدَأَ التَّسْوِيَةَ) لِلْأَرْبَعِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَأَقَامَ عِنْدَ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً، لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ الرَّابِعَةِ عَشْرًا لِتُسَاوِيهِنَّ (فَلَوْ قَسَمَ لِثِنْتَيْنِ) مِنْهُنَّ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً (وَظَلَمَ الثَّالِثَةَ) فَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا، وَنَشَزَتْ الرَّابِعَةُ (ثُمَّ أَطَاعَتْهُ النَّاشِزُ؛ وَأَرَادَ الْقَضَاءَ لِلْمَظْلُومَةِ قَسَمَ لَهَا) أَيْ الْمَظْلُومَةِ (ثَلَاثًا، وَلِلنَّاشِزِ لَيْلَةً، خَمْسَةَ أَدْوَارٍ، فَيُكْمِلُ لِلْمَظْلُومَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ) لَيْلَةً (وَيَحْصُلُ لِلنَّاشِزِ خَمْسُ) لَيَالٍ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ بَيْنَ الْجَمِيعِ. تَكْمِيلٌ: وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ قَسَمَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً، وَظَلَمَ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ جَدِيدَةً، ثُمَّ إنْ أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ لِلْمَظْلُومَةِ فَيَخُصَّ الْجَدِيدَةَ بِسَبْعٍ إنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَثَلَاثٍ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، ثُمَّ يَقْسِمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَظْلُومَةِ خَمْسَةَ أَدْوَارٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَا لِلْمَظْلُومَةِ مِنْ كُلِّ دُورٍ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً لِلْجَدِيدَةِ (وَلَوْ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ، ثُمَّ نَكَحَ ثَالِثَةً) أَوْ تَجَدَّدَ حَقُّهَا بِعَوْدٍ فِي هِبَةٍ أَوْ رُجُوعٍ عَنْ نُشُوزٍ (وَفَّاهَا أَيْ الْجَدِيدَةَ حَقَّ عَقْدٍ، ثُمَّ وَفَّى لَيْلَةً لِلْمَظْلُومَةِ) الَّتِي دَخَلَ بِضَرَّتِهَا فِي نَوْبَتِهَا (ثُمَّ وَفَّى نِصْفَ لَيْلَةٍ لِلثَّالِثَةِ) وَهِيَ الْجَدِيدَةُ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ الَّتِي وَفَّاهَا لِلْمَظْلُومَةِ نِصْفُهَا مِنْ حَقِّهَا، وَنِصْفُهَا مِنْ الْجَدِيدَةِ فَيَثْبُتُ لِلْجَدِيدَةِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ نِصْفُ لَيْلَةٍ بِإِزَاءِ مَا خَصَّ ضَرَّتَهَا (ثُمَّ يَبْتَدِئُ) الْقَسْمَ مُتَسَاوِيًا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: هَذَا الْمَذْهَبُ (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ لَا يَبِيتُ نِصْفَهَا، بَلْ لَيْلَةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ حَرِجٌ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَجِدُ مَكَانًا يَنْفَرِدُ فِيهِ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ إلَيْهِ فِي نِصْفِ اللَّيْلَةِ أَوْ الْمَجِيءِ مِنْهُ، وَمَتَى تَرَكَ قَسْمَ بَعْضِ نِسَائِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَضَاهُ لَهَا.

.فَصْلٌ: [في النُّشُوزِ]:

(النُّشُوزُ) مِنْ النَّشَزِ، وَ(هُوَ) مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ، فَكَأَنَّمَا ارْتَفَعَتْ وَتَعَالَتْ عَمَّا فُرِضَ عَلَيْهَا مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَيُقَالُ: نَشَزَتْ- بِالشِّينِ وَالزَّاي- وَنَشَصَتْ بِالشِّينِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَنَشَزَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا جَفَاهَا وَأَضَرَّ بِهَا. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ وَعُرْفًا (مَعْصِيَتُهَا إيَّاهُ، فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا) طَاعَتُهُ فِيهِ (وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهَا أَمَارَتُهُ) أَيْ: النُّشُوزِ (بِأَنْ مَنَعَتْهُ) أَيْ: الزَّوْجَ (الِاسْتِمْتَاعَ) بِهَا (أَوْ أَجَابَتْهُ مُتَبَرِّمَةً مُتَكَرِّهَةً) كَأَنْ تَتَثَاقَلَ إذَا دَعَاهَا، وَلَا تُجِيبَهُ إلَّا بِكُرْهٍ (أَوْ خَرَجَتْ بِلَا إذْنِهِ) وَلَوْ لِزِيَارَةِ أَبَوَيْهَا (وَنَحْوَهُ) كَاخْتِلَالِ أَدَبِهَا فِي حَقِّهِ (وَعَظَهَا) أَيْ: خَوَّفَهَا اللَّهَ تَعَالَى، وَذَكَرَ لَهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهَا مِنْ الْحَقِّ، وَمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْإِثْمِ بِالْمُخَالَفَةِ، وَمَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَمَا يُبَاحُ لَهُ مِنْ هَجْرِهَا وَضَرْبِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ}. (فَإِنْ رَجَعَتْ) إلَى الطَّاعَةِ وَالْأَدَبِ (حَرُمَ) عَلَيْهِ (هَجْرُ) هَا (وَضَرْبُهَا) لِزَوَالِ مُبِيحِهِ (وَإِلَّا) تَرْجِعْ عَمَّا ارْتَكَبَتْهُ مِنْ التَّمَادِي وَالْعِصْيَانِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ إجَابَتِهِ إلَى الْفِرَاشِ وَالْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ مَا شَاءَ). لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُضَاجِعْهَا فِي فِرَاشِكَ. وَقَدْ «هَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) هَجَرَهَا (فِي الْكَلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا فَوْقَهَا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ». وَالْهَجْرُ ضِدَّ الْوَصْلِ، وَالتَّهَاجُرُ التَّقَاطُعُ (فَإِنْ أَصَرَّتْ) وَلَمْ تَرْتَدِعْ (ضَرَبَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاضْرِبُوهُنَّ}. فَيَكُونُ الضَّرْبُ بَعْدَ الْهَجْرِ فِي الْفِرَاشِ وَتَرْكِهَا مِنْ الْكَلَامِ (غَيْرَ شَدِيدٍ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ يَرْفَعُهُ: «لَا يَجْلِدْ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُضَاجِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ». (عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ لَا فَوْقَهَا) يُفَرِّقُهَا فِي بَدَنِهَا؛ لِحَدِيثِ: «لَا يَجْلِدْ أَحَدُكُمْ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيَتَّقِي الْوَجْهَ) تَكْرِمَةً لَهُ (وَالْمَوَاضِعَ الْمَخُوفَةَ) خَوْفَ الْقَتْلِ، وَالْمَوَاضِعَ الْمُسْتَحْسَنَةَ لِئَلَّا يُشَوِّهَهَا (فَإِنْ تَلِفَتْ) مِنْ ذَلِكَ (فَلَا ضَمَانَ) لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا (وَيُمْنَعُ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (مَنْ) أَيْ: زَوْجٌ (عُلِمَ بِمَنْعِهِ حَقَّهَا حَتَّى يُوفِيَهُ) وَيُحْسِنَ عَشْرَتَهَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ ظَالِمًا بِطَلَبِهِ حَقَّهُ مَعَ مَنْعِهِ حَقَّهَا، وَيَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تُغْضِبَ زَوْجَهَا؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدِهِ عَنْ الْحُصَيْنِ بْنِ الْمِحْصَنِ بِأَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَقَالَ: اُنْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ» قَالَ فِي الْفُرُوعِ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَيَنْبَغِي لِلزَّوْجِ مُدَارَاتُهَا، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: حُسْنُ الْخُلُقِ أَنْ لَا تَغْضَبَ وَلَا تَحْتَدَّ، وَحَدَّثَ رَجُلٌ لِأَحْمَدَ مَا قِيلَ الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: الْعَافِيَةُ كُلُّهَا عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ كُلُّهَا فِي التَّغَافُلِ. (وَلَا يُسْأَلُ لِمَ ضَرَبَهَا، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَهُ وَلَا أَبُوهَا) لِمَ ضَرَبَهَا لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ الْأَشْعَثِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «يَا أَشْعَثُ احْفَظْ عَنِّي شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسْأَلَنَّ رَجُلًا فِيمَ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ». وَلِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءً لِلْمَوَدَّةِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَضْرِبُهَا؛ لِأَجْلِ الْفِرَاشِ؛ فَإِنْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ اسْتَحْيَا، وَإِنْ أَخْبَرَ بِغَيْرِهِ كَذَبَ (وَلَهُ تَأْدِيبُهَا عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ) كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَاجِبَيْنِ نَصًّا، قَالَ عَلِيٌّ فِي قَوْله تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} قَالَ: عَلِّمُوهُمْ وَأَدِّبُوهُمْ، وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا يُعَلِّقُ فِي بَيْتِهِ سَوْطًا يُؤَدِّبُ أَهْلَهُ».
قَالَ أَحْمَدُ: أَخْشَى أَنْ لَا يَحِلَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقِيمَ مَعَ امْرَأَةٍ لَا تُصَلِّي وَلَا تَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَا تَتَعَلَّمُ مِنْ الْقُرْآنِ (لَا) أَيْ: لَيْسَ لِلزَّوْجِ (تَعْزِيرُهَا فِي حَادِثٍ مُتَعَلِّقٍ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ) لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْحَاكِمِ (فَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ (ظُلْمَ صَاحِبِهِ أَسْكَنَهُمَا حَاكِمٌ قُرْبَ ثِقَةٍ يُشْرِفُ عَلَيْهِمَا وَيَكْشِفُ حَالَهُمَا) كَمَا يَكْشِفُ عَنْ (عَدَالَةٍ، وَإِفْلَاسٍ مِنْ خِبْرَةٍ بَاطِنَةٍ) لِيَعْلَمَ الظَّالِمَ مِنْهُمَا (وَيُلْزِمَهُمَا) أَيْ: الثِّقَةُ (الْحَقَّ) لِأَنَّهُ طَرِيقُ الْإِنْصَافِ، وَيَكُونُ الْإِسْكَانُ قَبْلَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْهُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) إسْكَانُهُمَا قُرْبَ ثِقَةٍ يُشْرِفُ عَلَيْهِمَا أَوْ تَعَذَّرَ إلْزَامُهُمَا الْحَقَّ (وَتَشَاقَّا) أَيْ: خَرَجَا إلَى الشِّقَاقِ وَالْعَدَاوَةِ، وَبَلَغَا إلَى الْمُشَاتَمَةِ (بَعَثَ) الْحَاكِمُ (حَكَمَيْنِ ذَكَرَيْنِ حُرَّيْنِ مُكَلَّفَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ حُكْمَ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ) لِأَنَّهُمَا يَتَصَرَّفَانِ فِي ذَلِكَ؛ فَاعْتُبِرَ فِيهِمَا هَذِهِ الشُّرُوطُ مَعَ أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ؛ لِتَعَلُّقِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ، فَكَأَنَّهُمَا نَائِبَانِ عَنْهُ (وَالْأَوْلَى) أَنْ يَكُونَ الْحَكَمَانِ (مِنْ أَهْلِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ يُفْضِي إلَى قَرَابَتِهِ وَأَهْلِهِ بِلَا احْتِشَامٍ، فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِصْلَاحِ، فَيَخْلُو كُلٌّ بِصَاحِبِهِ وَيَسْتَعْمِلُ رَأْيَهُ فِي الْفِرَاقِ وَالْوَصْلَةِ، وَمَا يَكْرَهُ مِنْ صَاحِبِهِ (يُوَكِّلَانِهِمَا) بِرِضَاهُمَا، وَ(لَا) يَبْعَثُهُمَا الْحَاكِمُ (جَبْرًا) عَلَى الزَّوْجَيْنِ (فِي فِعْلِ الْأَصْلَحِ مِنْ جَمْعٍ أَوْ تَفْرِيقٍ بِعِوَضٍ أَوْ دُونَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} الْآيَةَ (وَيَنْبَغِي لَهُمَا) أَيْ لِلْحَكَمَيْنِ (أَنْ يَنْوِيَا الْإِصْلَاحَ) لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إنْ يُرِيدَا إصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (وَأَنْ يُلَطِّفَا الْقَوْلَ، وَأَنْ يُنْصِفَا، وَيُرَغِّبَا، وَيُخَوِّفَا، وَلَا يُخَصُّ بِذَلِكَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ) لِيَكُونَ (أَقْرَبَ لِلتَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا) وَهُمَا وَكِيلَانِ عَنْ الزَّوْجَيْنِ فِي ذَلِكَ (لَا يُرْسَلَانِ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَتَوْكِيلِهِمَا) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمَا، فَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِمَا التَّصَرُّفُ إلَّا بِالْوَكَالَةِ، فَلَا يَمْلِكَانِ تَفْرِيقًا إلَّا بِإِذْنِهِمَا (فَيَأْذَنُ الرَّجُلُ لِوَكِيلِهِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ إصْلَاحٍ، وَتَأْذَنُ هِيَ) أَيْ: الْمَرْأَةُ (لِوَكِيلِهَا فِي الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَلَى مَا يَرَاهُ، وَإِنْ امْتَنَعَا مِنْ التَّوْكِيلِ لَمْ يُجْبَرَا عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا يَزَالُ الْحَاكِمُ يَبْحَثُ) وَيَسْتَبْحِثُ (حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مَنْ الظَّالِمُ، فَيَرْدَعُهُ) وَيَسْتَوْفِي مِنْهُ الْحَقَّ إقَامَةً لِلْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ (وَلَا يَصِحُّ إبْرَاءُ غَيْرِ وَكِيلِهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ (فِي خُلْعٍ فَقَطْ) فَتَصِحُّ بَرَاءَتُهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِعِوَضٍ، فَتَوْكِيلُهَا فِيهِ إذْنٌ فِي الْمُعَاوَضَةِ، وَمِنْهَا الْإِبْرَاءُ، بِخِلَافِ وَكِيلِ الزَّوْجِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِبْرَاءُ مُطْلَقًا (وَإِنْ شَرَطَا) أَيْ: الْحَكَمَانِ (مَا) أَيْ: شَرْطًا (لَا يُنَافِي نِكَاحًا) كَإِسْكَانِهِمَا بِمَحِلِّ كَذَا، وَأَنْ لَا يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى عَلَيْهِ وَنَحْوَهُ؛ (لَزِمَ) الشَّرْطُ، وَلَعَلَّهُمْ نَزَّلُوا هَذِهِ الْحَالَةَ مَنْزِلَةَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لِحَاجَةِ الْإِصْلَاحِ، وَإِلَّا فَمَحِلُّ الْمُعْتَبَرِ مِنْ الشُّرُوطِ صُلْبُ الْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) بِأَنْ شَرَطَا مَا يُنَافِي نِكَاحًا (فَلَا) يَلْزَمُ ذَلِكَ (كَتَرْكِ قَسْمٍ أَوْ) تَرْكِ (نَفَقَةٍ) أَوْ وَطْءٍ أَوْ سَفَرٍ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَنَحْوَهُ. (وَإِنْ رَضِيَ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِشَرْطِ مَا يُنَافِي نِكَاحًا (الْعَوْدُ) أَيْ: الرُّجُوعُ عَنْ الرِّضَا بِهِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ (وَلَا يَنْقَطِعْ نَظَرُهُمَا) أَيْ الْحَكَمَيْنِ (بِغَيْبَةِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ) غَيْبَةِ (أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَنْقَطِعُ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ (وَيَنْقَطِعُ) نَظَرُهُمَا (بِجُنُونِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (أَوْ) جُنُونِ (أَحَدِهِمَا وَنَحْوِهِ) أَيْ: الْجُنُونِ (مِمَّا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ كَحَجْرٍ لِسَفَهٍ) كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْوَكَالَةِ.